مرة جديدة يكون الجرم في سوريا “تدوينة” على “الفيسبوك”، لكن الضحية هذه المرة كانت محامية لم تستطع حتى نقابة المحامين أن تجعلها تتفادى السجن.
تقول المحامية عهد قوجة لـ RT إنها قضت “ليلة في نظارة الأمن الجنائي ومع موقوفات بجرم المخدرات وتهريب الآثار” بعد أن طلب المحامي العام بريف دمشق توقيفها، وإحالتها “موجودة”.
التهمة: “تحقير القضاء”، أما الدليل الجرمي فكان تدوينات تتحدث في إحداها عن العدالة وتصفها بأنها “عمياء”.
بعد استدعائها إلى فرع “مكافحة الجريمة المعلوماتية” والتحقيق معها، طلب المحامي العام بريف دمشق عرض التحقيق عليه.
وتضيف قوجة أن دورية أوصلتها حوالي الثالثة والنصف بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي إلى القصر العدلي، ولم يكن المحامي العام موجودا، وكان الحل أن تعود مرة ثانية إلى مكتبه، في الثامنة مساء.
وتضيف: “أوقفونا في الشارع أمام قصر العدل، لأنه لم يكن هناك أحد ليستلم الضبط، وبقيت خارجا مع دورية الأمن الجنائي عبرة للتشهير والناس يرونني موقوفة”.
وتتابع: “بقينا ننتظر المحامي العام حتى العاشرة والنصف مساء، عندما أخبرهم أنه لن يأتي”. وهكذا أعادوني لأقضي الليلة في نظارة الأمن الجنائي. وهناك تعرفت إلى موقوفات بجرم تهريب الآثار، والمخدرات، كما تحدثت عن سجينات بجرم لم يقترفنه.
وتؤكد المحامية قوجة أن المحامي العام كان يستطيع “هاتفيا” وبإجراء قانوني، أن يأمر “بالترك” (المحاكمة طليقا) كي لا تبقى في سجن النظارة. في اليوم التالي، تقول قوجة، إن قاضية استجوبتها، وإنها استمعت منها لمحاضرة في السلوك الحضاري، ثم قررت القاضية وتقديرا لأن “المتهمة” محامية ويحضر معها ممثل لنقيب المحامين، أن تأمر بـ “الترك” مع تحريك الادعاء بتهمة “تحقير القضاء”.
تقول قوجة إن ما دفعها لكتابة التدوينات هو ما عايشته أثناء خوضها في قضية تتعلق باستغلال أحد المطاعم لنبع أبو زاد في منطقة بلودان، إذ يقوم بتعبئة المياه من النبع ويبيعه في مطعمه، بشكل مخالف للقانون، وتقول إن أحدا لم يتحرك لوقف تلك الاعتداءات. وتضيف أن التقرير الفني أظهر أن التدوينات التي كانت سبب التوقيف لا تحوي أي مخالفة نشر، عدا عن أن الصفحة لم تكن مفتوحة للعامة، بل هي مخصصة للأصدقاء.
سابقة خطرة
بعض المحامين المعنيين بالأمر لم يرغبوا بالإدلاء بأي تصريح، (لاعتبارين: حساسية الموضوع، إضافة إلى أن النقابة الآن تعيش أجواء ما قبل الانتخابات). إلا أن أحد المحامين وبعد اشتراط عدم ذكر اسمه وصف ما جرى بأنه “سابقة خطرة ويدق ناقوس الخطر إذ يظهر أن المحامي لا حصانة له ولا يستطيع أن يبدي رأيه”، وقال إن ما جرى مع المحامية هو في جزء منه “تصفية حسابات قديمة” بطريقة تبدو “قانونية”.
وقد فُهمت التدوينات على أنها موجهة لوزارة العدل، وللوزير، رغم أن جرائم التحقير أو القدح أو الذم يجب أن تكون واضحة لا تقبل التأويل، وطريقة اللفظ أو الكتابة يجب أن تعني من تُوجه إليه بشكل شخصي وليس على الشبهة، كذلك يجب توافر النية الجرمية، إضافة إلى أن الكلام عن العدل لا يعني الوزارة، لأن الوزارة تمثل القضاء وليس العدل، وهناك أكثر من جهة تمثل العدل، ويقول إن كل ذلك أركان لم تتوافر في “الجرم” المنسوب لقوجة.
ويشير إلى أن ثمة حالات مشابهة تم خلالها توقيف أشخاص في النظارة، بذرائع عدة، منها أن يكون يوم عطلة، فيحتجزون “الموقوف” حتى اليوم التالي، أو أن يتغيب المحامي العام عن الحضور.
يذكر أن حالات “التوقيف” بجرم النشر، وبناء على ما يُسمى “جرائم معلوماتية” تزايدت مؤخرا في سوريا، ولعل “أغرب” تلك الحالات كان “توقيف” ناقد ومخرج مسرحي بعدما نشر على صفحته الشخصية تدوينة انتقد فيها عرضا مسرحيا في مدينته اللاذقية، ووصف العرض بأنه ينتمي إلى “المسرح الهزيل” وقد قوبل الأمر بانتقادات ساخرة منها ما قاله البعض عن أن تهمة الناقد كانت “وهن نفسية المخرج”.
أسامة يونس -دمشق