لا توجد أي أرقام دقيقة عن حالات الاضطرابات النفسية في سوريا، وكل ما يطرح عبارة عن تقديرات، في ظل غياب الدراسات وتراجع عدد الأطباء النفسيين إلى نحو 70 طبيبا في أرجاء البلاد.
والأرقام التي يتم تداولها عن عدد “المرضى” يصفها استشاري الصحة النفسية، تيسير حسون، بأنها تخمينية، تعتمد على التنبؤ، إلا أنها منطقية وإن كانت لا تقدم صورة دقيقة لمستوى انتشار الاضطرابات النفسية في سوريا، لأنها “تستند إلى معايير دولية تنطبق على كل البلدان، وهي تقديرات تعتمد معايير منظمة الصحة العالمية التي أجرت دراسات في عدة بلدان شهدت تجارب مماثلة لما يجري في سوريا، وبناء على ذلك، وضعت معايير ونسبا لأنواع الاضطرابات النفسية قياسا إلى عدد السكان”.
وتم اعتماد تلك النسب بعد دراسات وتجارب في بلدان مختلفة، ومن تلك الأرقام مثلا أن الاضطرابات النفسية الشديدة تكون نسبتها 2 ـ 3% من مجموع السكان، وترتفع في الأزمات لتترواح بين 3 ـ 4%. تلك الاضطرابات تشمل الاكتئاب الشديد، والفصام، والإدمان، والقلق المعطِّل (الذي يجعل المريض يلزم المنزل)، وحالات اضطراب ما بعد الصدمة، (التعرض لحدث أو لحالة من الضغط الشديد كالخطف).
بينما تُقدر نسبة الاضطرابات الخفيفة إلى المتوسطة عالميا بـ 10% من عدد السكان في الحالات الطبيعية، وترتفع إلى ما يتراوح بين 15 ـ 20% في الأزمات (مثل بعض حالات الاكتئاب، وأنواع القلق غير المعطِّل، والحالات الخفيفة لاضطراب ما بعد الصدمة).
أما الضغوط النفسية العامة فنسبتها غير محددة، وقد تشمل سكان بلد ما كلهم في لحظة ما في الأزمات، والحديث هنا عن ضغط نفسي يتعرض له المجتمع.
الاكتئاب أولا
وعن أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا في سوريا يقول حسون إنه لا يمكن الجزم بذلك، بشكل دقيق، إلا أنه وحسب مشاهداته العيادية والإشراف على جهات محلية ودولية وما يرد من “تغذية راجعة” من عيادات الرعاية الأولية، يمكن القول إن الاكتئاب يأتي في المرتبة الأولى، تليه الاضطرابات المتعلقة بالضغط النفسي والشدات الكبرى، ثم أنواع القلق والمخاوف.
واستنادا إلى المتابعات الميدانية يقول حسون إن نسب تلك الحالات ترتفع في المناطق التي تشهد اضطرابات أكثر، أو تعرضت لظروف غير طبيعية، إذ ترتفع فيها حالات اضطرابات الشدة، واضطرابات الضغط النفسي الشديد (الصدمة)، ويشير إلى أن التدخلات العلاجية الباكرة توفر إمكان العلاج، إلا أن النقص في الكادر الطبي المتخصص لا يساعد في ذلك، كما أن ذلك ترك آثارا منها الحاجة إلى التحقق من “صدقية” الحالات المشخصة على أنها اكتئاب، بأن تؤخذ عينة من تلك الحالات لمعرفة النسبة المئوية لحالات الاكتئاب الفعلية فيها، إذ أن من يشخصها غالبا يكون طبيبا غير مختص بالصحة النفسية، وهو ما فرضته ظروف قلة الكادر الطبي المتخصص في هذا المجال.
70 طبيبا فقط
هناك نقص شديد في عدد الأطباء القادرين على تلبية الاحتياجات الكبيرة، يقول حسون، إذ إن عدد الأطباء النفسيين لا يتجاوز 70 طبيبا، ومن هنا كانت محاولات “رأب الفجوة” وأهمية التدريب خاصة أن التدخلات العلاجية لا تقتصر على الأدوية، فهي بيولوجية، نفسية، اجتماعية، والتدخل العلاجي يجب أن يكون حسب عوامل الخطورة.
رأب الفجوة
عدد من المنظمات الدولية وخاصة منظمة الصحة العالمية لديها أنشطة في هذا المجال، وأهمها منظمة الصحة العالمية التي تشرف منذ 2014 على دورات “رأب الفجوة في الصحة النفسية”، وتتلخص الفكرة في تدريب الأطباء العامين أو غير المتخصصين على الصحة النفسية.
ويقول حسون، وهو مدرب ومشرف مع المنظمة، إن تلك البرامج أسفرت عن تدريب نحو 1500 طبيب في سوريا حتى الآن، وهكذا يمكن أن يوفر أطباء قادرين على العمل في مجال الرعاية الأولية، وتشخيص عدد من الاضطرابات (يصل إلى نحو 12 اضطرابا).
ويشير حسون إلى أن ثمة عددا من برامج التدريب أهمها الشراكة مع منظمة الصحة العالمية في برنامج تقديم الاستشارة النفسية، والاستشارة الأسرية، وكذلك هناك برامج مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، والأونروا.
ومن أبرز الأهداف توفير إمكان التدخل على مستوى المشكلات قبل أن تتحول إلى اضطرابات، أي التدخل في المستوى الوقائي، والعمل على ما يسمى هرم التدخلات النفسية الاجتماعية الذي يبدأ بالاحتياجات الأساسية، فتلبيتها تمنع تطور الاضطراب للمستوى الأعلى.
ويقول إن من أهداف التدريب أن يصبح الكادر الطبي في العيادات قادرا على كشف حالات المراجعين الذين يظهرون أعراضا طبية جسدية كتشنج القولون أو الصداع، فالعرض قد يكون جسديا بينما هو في الحقيقة نفسي.
المصدر: RT